research

(التأصيل الفقهي للقانون التجاري (مقدمة في بعض القواعد الفقهية في المعاملات

بسم الله الرحمن الرحيم

التأصيل الفقهي للقانون التجاري

مقدمة في بعض القواعد الفقهية في المعاملات

يعد فقه المعاملات قسيم لفقه العبادات فهو القسم الثاني بعد العبادات، ولا يخفى حاجة الناس للتعاملات المالية في البيع والشراء مما يؤكد ضرورة التعلم لأحكام هذا الباب، ومن خلال فقه المعاملات يعرف الحلال من الحرام، ومن خلاله يتعامل التجار في البيع والشراء والمرابحة والاستثمار وغيرها.

ومن الأهمية الإشارة إلى أبرز القواعد الحاكمة في فقه المعاملات:

القاعدة الأولى: الأصل في العقود الجواز والصحة

في القران الكريم: قال الله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾.

وفي الصحيحين عن عُقبة بن عامر أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أحقَّ الشروط

أنْ تُوفوا به: ما استحلَلتُم به الفروج))؛ فدلَّ على استِحقاق الشُّروط بالوفاء، وفي الحديث ((المؤمنون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاُ)).

وجمهور الفقهاء على أنَّ الأصل في العقود والشُّروط الصحَّة، إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح.

من ثمرات هذه القاعدة:

1- عدم حصْر العقود في المعاملات المعروفة فقط.

2- فقد تنشأ عقوداً جديدة بحس كل زمان ومكان، والعقود تتم اجتهاداً بحسب حاجة الناس واستنباطاً من الأدلة، فلا مانع من وجود عقود جديد.

3- ينظر في حل وحرمة العقد حسَب ما تضمَّنه من أحكام مثل (التأمين ([1]) -الشرط الجزائي ([2]) -الإيجار المنتهي بالتمليك ([3])).

4- مطالبة مَن حرَّم عقدًا بالدليل وهذا الأصل.

القاعدة الثانية: صِيَغُ العقود

"تنعقدُ العقود بكلِّ ما دلَّ على مقصودها من قولٍ أو فعلٍ".

قال ابن تيمية: (إنها تنعقدُ بكلِّ ما دلَّ على مقصودِها من قولٍ أو فعلٍ؛ فكلُّ ما عدَّه الناس بيعًا وإجارةً فهو بيعٌ وإجارة، وإنِ اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال انعقد العقدُ عند كلِّ قوم بما يفهَمُونه بينهم من الصيغ والأفعال..)

القاعدة الثالثة: العقد المحرم: (ما كان فيه ربا أو ضرر أو غرر فهو حرام (

قال ابن القيم في إعلام الموقعين:

"والأصل في العقود كلها إنما هو العدل الذي بُعِثت به الرُّسل، وأُنزِلت به الكتب؛ قال تعالى﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾[الحديد: 25] والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظُّلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقُرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال بالباطل، وما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المعاملات - كبيع الغرر، وبيع الثمر قبلَ بدوِّ صَلاحِه... هي داخلة إمَّا في الربا وإمَّا في الميسر".

القاعدة الرابعة: تحريم أكل أموال الناس بالباطل

ومن القواعد الحاكمة لفقه المعاملات: تحريم أكل أموال الناس بالباطل، وأساس هذا التحريم آيتان من كتاب الله تعالى، فضلاً عن أحاديث مستفيضة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29].

فجمعت الآية بين حفظ الأموال، وحفظ النفس، وكلاهما من الضروريات الأساسية الخمس، وقال تعالى﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة:188] قال الإمام ابن العربي في (أحكام القرآن): هذه الآية من قواعد المعاملات.

القاعدة الخامسة: لا ضرر ولا ضرار

والضرر: هو الأذى أو الفساد يلحق بالشيء أو الشخص.

وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) قاعدة أساسية كبرى في الفقه الإسلامي، وهي إحدى القواعد الخمس، حتى ذهب بعضهم أنها يمكن أن تُغني عن القواعد الكبرى الأخرى وهي:

(الأمور بمقاصدها / والمشقة تجلب التيسير/ والعادة محكمة / واليقين لا يزال بالشك)

والأمثلة عليها:.............

وهذه القاعدة – (لا ضرر ولا ضرار) كما يرى العلامة الدكتور/ مصطفي الزرقا –

تعريف بالدكتور/   .... 

أنها من أركان الشريعة، وتشهد لها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، وهي أساس لمنع الفعل الضارِّ، وترتيب نتائجه في التعويض المالي والعقوبة، كما أنها سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي عدَّة الفقهاء وعمدتهم وميزانهم في طريق تقرير الأحكام الشرعية للحوادث.

ونصها ينفي الضرر نفيا، فيوجب منعه مطلقا، ويشمل الضرر الخاص والعام، ويشمل ذلك:

·        دفعه قبل الوقوع بطرق الوقاية الممكنة.

·        ورفعه بعد الوقوع بما يمكن من التدابير التي تزيل آثاره وتمنع تكراره.

وتدلُّ أيضا على وجوب اختيار أهون الشرَّين لدفع أعظمهما، لأن في ذلك تخفيفاً للضرر عندما لا يمكن منعه بتاتاً.

ومن ثم كان إنزال العقوبات المشروعة بالمجرمين لا ينافي هذه القاعدة، وإن ترتَّب عليها ضرر بهم، لأن فيها عدلاً ودفعا لضرر أعم وأعظم (مثل القطع للسارق والقصاص من القاتل العمد).

والمقصود بمنع الإضرار: نفي فكرة الثأر المحض، الذي يزيد في الضرر، ولا يفيد سوى توسيع دائرته؛ لأن الإضرار -ولو على سبيل المقابلة -لا يجوز أن يكون هدفا مقصودا وطريقا عامة، وإنما يلجأ إليه اضطرارا، عندما لا يكون غيره من طرق التلافي والقمع أفضل منه وأنفع.

مثال: فمَن أتلف مال غيره مثلا/ لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله، لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتِلف قيمة ما أتلف، فإن فيه نفعاً بتعويض المضرور، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي، فإنه سيَّان بالنسبة إليه إتلاف ماله وإعطاؤه للمضرور لترميم الضرر الأول فأصبحت مقابلة الإتلاف بالإتلاف مجرَّد حماقة.

وعلى هذه القاعدة بنى الفقهاء أحكاماً لا تحصي من شتَّى الأبواب، فقرَّروا أنه:

1-    لو انتهت مدَّة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع، تبقى الأرض في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد الزرع، منعا لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه.

2-    ولو باع شيئاً يفسد بسرعة كالفواكه مثلاً، وغاب المشتري قبل دفع الثمن وقبض المبيع، وخيف فساده، فللبائع أن يفسخ البيع، ويبيع على غيره، دفعا لضرره.

3-    ولو اشتري شيئا وآجره، ثم اطلع على عيب قديم فيه، يعتبر هذا عذرا له يسوغ له فسخ الإجارة، ليتمكَّن من ردِّه على بائعه، إزالة للضرر عن نفسه، والإجارة تفسخ بالأعذار.

القاعدة السادسة: مراعاة العادات والأعراف فيما لا يخالف الشرع

ومن القواعد الحاكمة في فقه المعاملات، التي اتفق عليها الفقهاء بمختلف مذاهبهم: الاحتكام إلى أعراف الناس وعاداتهم، فيما لم يخالف الشرع. ولهذا جعلوا من القواعد الفقهية والشرعية الكلية المجمع عليها قاعدة: (العادة محكمة).

وهذه القاعدة (العادة محكمة) يرجع إليها في العبادات والمعاملات جميعاً، وليست مقصورة على المعاملات، ولكنها في الواقع أكثر ما يحتاج إليها في العادات والمعاملات، لما للعرف القائم، والعادات السائدة من تأثير على معاملات الناس، وتصرفاتهم الدنيوية إلى حد كبير، بخلاف العبادات، فإن تأثيرها أقل.